• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

قلق الأطفال.. طرق للمساعدة

قلق الأطفال.. طرق للمساعدة

مع أنّ الطفل غير ملزم لا بدفع الفواتير، ولا بالطهو، ولا يتحمل أعباء المنزل، ومع ذلك، هو شريك، تماماً مثل أي بالغ، في تحمل نتائج أمور الحياة حين لا تسير بالشكل الصحيح.

تقول إحدى الدراسات إنّ نسبة 43% من أطفال العالم اليوم الذين تتراوح أعمارهم ما بين ستة أشهر وسنة، لديهم الكثير من القلق والخوف. ويعيد 49% من هؤلاء الأطفال سبب القلق إلى خوفهم من انفصال الأهل أو من انهيار وضعهم المالي. (يمكننا أن نضيف أنّ قلق أطفالنا نحن يعود إلى الخوف من الحروب البشعة التي تجتاح منطقتنا).

من الطبيعي أن يشعر كلّ الأطفال بالقلق. ونظراً لاختلافات شخصياتهم وأمزجتهم وأوضاعهم الاجتماعية، قد يشعر البعض بالقلق أكثر من البعض الآخر. لحسن الحظ، تستطيع الأُم تعليم طفلها على إدارة توتره وقلقه، ومعالجة المشاكل التي يواجهها يومياً بسهولة. والطفل الذي يتمكن من تعلم هذه المهارة يستطيع تطوير حس عال في الثقة بالنفس وفي التفاؤل، الأمر الذي يمكّنه من مواجهة صعوبات الحياة، الصغيرة منها والكبيرة.

ما الذي يقلق الطفل؟ في الغالب، هناك علاقة بين قلق الطفل وبين عمره والأوضاع التي يعيشها. على سبيل المثال، يشعر الطفل في عمر ما بين السنتين والأربع سنوات بالقلق من أمور لم يسبق له أن جربها، أو خارجة عن نطاق سيطرته من مثل، الظلام، المخلوقات الكبيرة، الموت، تدهور أوضاع الأهل. وفي هذه المرحلة العمرية، يشعر الطفل بالقلق الناجم عن خوف الانفصال عن الأُم أو الأب. وتكون لديه حاجة غريزية للروتين لأنّه يمكّنه من معرفة ما يمكن أن يحصل تالياً. وإذا طرأ أي تغير على الروتين المعتاد، يمكن أن يسبب قلقاً شديداً له.

أما في عمر ما بين خمس إلى ثماني سنوات، وبسبب حب الطفل للقوانين، ينشأ عنده القلق خوفاً من أن تتغير هذه القوانين. على سبيل المثال، يقلق الطفل في هذه المرحلة العمرية إذا تحول اللعب الهادئ إلى لعب عنيف، ويقلق خوفاً من ألا يقبل من الآخرين بسبب ملابسه، أو طريقة كلامه، أو أفعاله. ويقلق الطفل أيضاً من ألا يتمكن من إعطاء الإجابات الصحيحة، أو التعبير عن نفسه بشكل صحيح، فيبدو غبياً في نظر أنداده.

في عمر ما بين تسع سنوات واثنتي عشرة سنة، يقلق الطفل حيال مظهره الشخصي. ويزيد ضغط الأنداد والتغيرات الهرمونية من قلقه. وفي هذه المرحلة العمرية، أكثر ما يشعر الطفل بالقلق؛ من الجنس الآخر، بسبب عدم معرفته، وقلة خبرته في كيفية التعامل معه، ومن وضع الأهل، ومن هشاشة الحياة وحتمية الموت.

بشكل عام، يخاف كلّ الأطفال وبمختلف أعمارهم من أشياء من مثل، العلامات المدرسية، أو الامتحانات، أو التغيرات التي تطرأ على أجسادهم، أو من عدم القدرة من الانسجام مع الأصدقاء، أو من تحقيق هدف ما، أو من عدم قبوله في أي فريق رياضي. وقد يشعر بالقلق حيال مشاكل اجتماعية من مثل، العصابات، أو تنمّر الأنداد أو ضغطهم عليه، أو إزعاجهم أو رفضهم له.

لأنّ الطفل في عمر ما قبل المراهقة يشعر بأنّه أصبح جزءاً من العالم الكبير المحيط به، قد يشعر بالقلق بشأن أحداث أو قضايا العالم التي يسمع عنها في نشرات الأخبار أو في المدرسة. لذا، يحتمل أن تصبح أمور من مثل، الإرهاب، الحرب، التلوث، الاحتباس الحراري، الحيوانات المهددة بالانقراض، الكوارث الطبيعية، مصدراً لقلق الطفل.

 

طرق للمساعدة:

مساعدة الطفل على التغلب على القلق. هناك العديد من الطرق التي تستطيع الأم عبرها مساعدة طفلها على التغلب على قلقه منها:

-         اكتشاف ما يدور في عقل الطفل: يجب أن تحرص الأُم على معرفة ماذا يدور مع طفلها في المدرسة، ومع أفراد الفريق الذي يلعب معه، ومع أصدقائه، ومع المدرسات أو المدرسين. لذا، عليها أن تنتهز فرصة وجودها مع طفلها أثناء عودتهما من المدرسة، وتسأله عن سير أموره. وأثناء استماعها إلى قصص أحداث يومه، عليها أن تسأله عن رأيه وشعوره حول هذه الأحداث. إذا بدا طفلها قلقاً حول شيء ما، عليها أن تسأله عن سبب قلقه، وأن تشجعه على البوح عن كلّ ما يزعجه. على سبيل المثال، أن تسأله عن تفاصيل الأحداث التي أثارت قلقه، وأن تستمع إليه بانتباه. أحياناً، يمكن أن يساعد مجرد الاستماع إلى قصص الطفل، على التخفيف من قلقه.

-         إظهار التفهم والاهتمام بالطفل: إذا أبدت الأُم اهتماماً بشؤون طفلها وقلقه، يشعر بأنّ ما يهمه يهمها هي أيضاً، وهذا بدوره يساعده على الإحساس أنها تدعمه وتفهمه. كما أنّ الإصغاء باهتمام إلى أقوال الطفل وطمأنته باستمرار، يساعده كثيراً على تعلم كيفية إدارة شؤونه. على الأُم أن تؤكد لطفلها أنها تتفهم مشاعره ومشاكله، وأنها حاضرة دائماً لمساعدته.

-         توجيهه لإيجاد الحلول: أنّ توجيه الطفل إلى إيجاد الحلول بنفسه، ومساعدته على تعلم كيفية التعامل مع المواقف الصعبة بشكل بناء، يساعد على الإقلال من قلقه. عندما يعرض الطفل مشكلة على الأُم، عليها أن تساعده للوصول إل الحل من خلال مناقشة طبيعة المشكلة والأفكار التي يطرحها. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يشعر بالقلق حيال علاقته بصديقه، على الأُم أن تحاول أن تفهم سبب قلقه والأمر الذي أدى إلى أن تسوء العلاقة بينهما، ثم تستمع إلى رأيه في كيفية حلّ الخلاف، وتحاول أن تساعده على إيجاد الحلّ لإعادة العلاقة بينهما إلى ما كانت عليه في السابق. مثلاً، أن تدعو صديقه إلى المنزل، أو أن تصطحبهما معاً لحضور مسرحية، أو مشاهدة فيلم سينمائي.

في جميع الأحوال، على الأُم أن تتجنب الدخول في جدل مع طفلها، وحلّ مشكلته عنه. بدلاً من ذلك، عليها أن تفكر معه للوصول إلى الحلّ المناسب. يجب حلّ المشكلة بالتعاون مع الطفل، لا بدلاً عنه. إذا لعبت الأُم الدور الأكبر في حلّ المشكلة، لن يتعلم الطفل كيف يحل مشاكله بنفسه، ولا كيف يواجه مصاعب الحياة حين يكبر.

-         وضع الأمور في نصابها: على الأُم أن تؤكد لطفلها، من غير الاستهانة بمشاعره، أنّ معظم المشاكل وقتية وقابلة للحلّ. وبأنّ هناك دائماً أياماً أفضل وفرصاً أخرى ليجرب مرة أخرى. أنّ تعليم الطفل النظر إلى المشاكل وفقاً لبعدها الصحيح، يمكن أن يقلل من قلقه ويساعده على بناء الثقة بذاته، وعلى أن يكون مرناً ومتفائلاً عند إعادة المحاولة. على سبيل المثال، إذا كان الطفل قلقاً بسبب خوفه بألا يفوز بقيادة فريق المدرسة، على الأُم أن تذكره بأنّ الفريق يخوض مباريات دائماً، فإذا لم يفز في هذه المرة، هناك فرصة أمامه ليفوز في المرة المقبلة. على الأُم أن تذكّر طفلها أنّه مهما حصل، فستسير الأمور على خير ما يرام في نهاية المطاف.

-         توضيح الأمور: أحياناً، يقلق الطفل حيال أمور كبيرة من مثل، الإرهاب، الحرب، التلوث، الانبعاث الحراري التي يسمع عنها في نشرات الأخبار أو من الأصدقاء في المدرسة. تستطيع الأُم مساعدة الطفل على التغلب على قلقها من هذه القضايا، من خلال مناقشتها معه وتقديم المعلومات الصحيحة له، ومحاولة إزالة أي مفهوم خاطئ لديه عنها. على الأُم أن توضّح لطفلها أنّ عليه ألا يقلق لأنّ البالغين يبذلون أقصى ما يستطيعون لحلّ المشاكل وحماية الأطفال جميعاً.

يجب أن تكون الأُم متنبهة لردة فعلها حيال قضايا العالم الكبيرة لأنها تؤثر في الطفل أيضاً. إذا أظهرت الأُم قلقاً وتوتراً نحو حدث كبير خارج عن سيطرتها، فمن المحتمل أن يكون رد فعل الطفل مماثلاً لرد فعلها. ولكن إذا عبرت عن قلقها بتناول الموضوع بإيجابية ووضحت الأمر لطفلها، سيتفاءل الطفل ويشعر بالأمان والاطمئنان. وبما أنّ الأُم لا تستطيع إيقاف الحروب، عليها أن تنظر إليها بمنظار مختلف. على سبيل المثال، تستطيع أن تنضم هي وعائلتها إلى منظمة تعمل من أجل السلام أو تساعد أطفال الدول التي تعاني الحروب. فهي بذلك تقلل من قلق الطفل وخوفه، وتفسح له المجال ليختبر التطوع.

-         تقديم الطمأنينة والراحة: عندما يكون الطفل قلقاً أحياناً، يحتاج إلى من يطمئنه ويشعره بالراحة. تستطيع الأُم فعل ذلك عن طريق معانقته، أو بكلمات تدل على حرصها عليه وعلى مشاعره، أو بإمضاء وقت معه. هذا التصرف، يساعد الطفل على معرفة أنّ أُمّه موجودة إلى جانبه مهما حصل، لتهتم به وتدعمه.

أحياناً، يحتاج الطفل إلى أن تبين له الأُم كيف يتخلص من قلقه بدلاً من الحديث عنه. يجب أن تعرف الأُم متى تتوقف عن الحديث عن القلق وتساعد طفلها للتغلب عليه. مثلاً، أن تتحدث معه حول موضوعات يحبها وفي الوقت نفسه، تحسسه بالراحة، أو أن تشترك معه في نشاط يدخل الفرح إلى قلبه ويحسّن من مزاجه.

-         تسليط الضوء على الإيجابيات: على الأُم أن تسأل طفلها عن الوقت الممتع الذي قضاه مع أصدقائه، وأن تستمع له بانتباه أثناء الرد على السؤال، وأن تعلق بإيجابية على الأشياء الجيدة التي حصلت له. عليها أن تفسح له المجال ليحدثها عن نجاحاته وإنجازاته وتجاربه الإيجابية، وعن كيفية تحقيقها، وعن شعوره بعدما حققها.

على الأُم أن تخصص وقتاً للطفل للقيام ببعض الأعمال الصغيرة التي تشعره بالراحة. إنّ مثل هذه الأعمال التي هي بمثابة تجارب يتعلم منها الطفل، إضافة إلى جرعات العواطف الإيجابية التي يتلقاها من الأُم، تعلم الطفل الاستمتاع، الامتنان، الحب، اللهو، الاسترخاء، المرح، وتقلل من توتره وقلقه.

-         القدوة الحسنة: أقوى الدروس التي يتعلمها الطفل هي تلك التي يتعلمها من الأُمّ. فردات فعلها على القلق والتوتر والإحباط، تعلّم طفلها كيفية التعامل مع التحديات اليومية. إذا أبدت الأُم ضيقاً أو انزعاجاً من أي شيء، يتعلم طفلها أنّ التأفف هو رد فعل مناسب للقلق والتوتر.

على الأُم أن تكون متفائلة، وأن تتحدث بإيجابية عما يزعجها ويقلقها. عليها أن تكون القدوة الحسنة في ردة فعلها نحو المشاكل والعوائق. إنّ تفاؤلها وثقتها بنفسها يعلمان الطفل أنّ المشاكل مؤقتة وقابلة للحل.

ارسال التعليق

Top